بسم الله الرحمن الرحيم
قرى فلسطينية في عالم المجهول
فلسطين – بشار دراغمة 13/1/1425
04/03/2004
بمرور الأيام تزاد المعاناة، تتضاعف أكثر مما مضى، أكثر من ثلاثة أعوام مرت بكل تفاصيلها الصعبة والمميتة، وإلى الآن لم يتغير شيء سوى زيادة الظلم، والمعاناة والقهر والإذلال والقتل لمليون مواطن يعيشون القرى الواقعة بالضفة الغربية، "ألم لا يمكن أن ينتهي إلا بزوال الاحتلال" هذا شعار المواطنون للاستمرار في الحياة.
"فمشوار الألف ميل يبدأ بخطوة"... هكذا يقرأ الناس الحياة، أما أن تمتد مسافة الخطوة لألف ميل فهذا عصر الاحتلال، وهذا واقع المواطنين في تلك القرى التي يزيد عددها عن 500 قرية كلها تختلف بالأسماء لكنها أخوات في الألم والموت، وشريكات في نفس "قدر" الاحتلال الذي يفرضه.
تلك القرى تعتبر من أجنحة الضفة الغربية ومن قطاعاتها الغنية بالثروة البشرية والزراعية، لكنها كلها تقف أمام واقع يفرزه الاحتلال عبر سياساته التي التهمت الأرض بالمصادرة والسرقة والاستيطان.
أما مدن الضفة القريبة التي كانت لا تبعد سوى كيلو مترات بلغة المسافة، فقد أصبحت تبعد ساعات بلغة الوقت عن تلك القرى .
قوات الاحتلال لا تزال مستمرة في سياساتها الاستفزازية والقمعية الخطيرة والمتصاعدة بحق كافة القرى، فالوضع المعيشي والإنساني صعب للغاية، والمأساة مستمرة دون أي تخفيف يذكر منذ بداية الانتفاضة، حيث قامت قوات الاحتلال بوضع حواجز عسكرية على جميع المداخل، وشددت حصارها ومنعت بذلك العبور من وإلى تلك التجمعات الفلسطينية، ومنع المواطنين من حقهم في حرية التنقل، بما في ذلك على الطرق الجبلية والترابية الوعرة. كما و استمرت جرائم إطلاق النار على المدنيين الذين يضطرون إلى استخدام الحواجز في محاولة منهم للمرور.
و تلخّص ألوان العذاب ومعاناة المواطنين في تلك القرى في مقولة المواطن (عصام اشتية) من قرية سالم القريبة من نابلس: "للمعاناة في قرانا بسبب الحواجز مذاق مرير خاص يتجرّعه يوميًّا أكثر من 24 ألف مواطن".
و ككل الفلاحين يستهل المواطن (إياد فايز) حديثه بذكر معاناة المزارعين الموسمية حيث يتحدّث عن اعتداءات المستوطنين اليومية على المزارعين و منعهم من قطاف ثمار زيتونهم و غيرها من الإشكالات التي تعيق الموسم الزراعي قائلاً: "لقد ابتليت منطقتنا بالمستوطنات مثل إيتمار و ألون موريه حيث يمنع المواطنون من الوصول إلى الأرض القريبة من المستوطنتين" .. و يضيف قائلاً : "هناك 3000 شجرة زيتون لم يجن محصولها هذا العام ، بإمكانك تصوّر ما يعنيه ذلك من خسائر لحقت بالمواطنين عبر فقدانهم هذه السلعة التجارية الأساسية و الحيوية" .
حياة مستحيلة
يعيش عدد كبير من المزارعين في القرى على الثروة الحيوانية و تسويق إنتاجها خارج قراهم، الحواجز حجر عثرة أمام هؤلاء و حاجز أيضاً لاستمرار حصولهم على أرزاقهم، فالألبان تتلف مع توقّف السيارات التي تنقلها على تلك الحواجز لساعات طويلة كما أن أثمانها أصبحت غير مجدية للكثير منهم؛ فالأسعار محدودة و تكاليف النقل تضاعفت فضلاً عن ارتفاع تكاليف إنتاجها الأصلية، فإدخال الأعلاف للقرى أصبح شبه مستحيل، و كيس العلف يتضاعف سعره عند وصوله للمزارع بفعل مروره بمراحل كثيرة و معقدة و مركبة عند النقل.
عمال في جيش البطالة
وصلت نسبة البطالة في تلك القرى حوالي 60 - 70 % بين الأيدي العاملة بحسب إحصائيات الاتحاد العام للنقابات العمال؛ فالمواطن محمد أبو شنب من قرية عزموط يقول: "الناس هنا يعيشون في سجن حقيقي لكنه كبير قليلاً، أين يمكن أن يجد المرء فرصة عمل في قرية ؟ هذا الأمر يضطر الناس للانتقال للعمل في المدن و ليصطدموا بالحواجز التي تبقيهم متوقّفين لساعات طويلة قبل أن تعيدهم من حيث أتوا و هو ما يحرم آلاف الأسر من مصادر الدخل" .
فالحواجز الإسرائيلية تشهد يوميًّا مواقف تنتهك فيها كرامة الإنسان و تصادر قيمة إنسانيته ، العنصرية و السادية توأمان دائما الحضور و الرفقة للعسكر الذين يوجّهون سطوة سلاحهم تجاه الصدور العارية و الكادحين الباحثين عن لحظة الأمل .
العلم المرفوض
معاناة الطلبة على حواجز تلك القرى شاهد جديد على ثقافة تسلّط القوة المطلق و تحكمها بأنماط حياة البشر ، إذ إن أكثر من 70 % من المدرسين و المدرسات في مدارس القرى هم من المدن ، و هؤلاء لا يتمكّنون من الوصول إلى مدارسهم في الوقت المناسب و كثيراً ما يحدث أن تشاهدهم يدخلون المدارس بعد الساعة الحادية عشرة أي قبل انتهاء الدوام بقليل و السبب هو ممارسات الحواجز و مزاج الجندي الذي يقرّر هل سيدرس (500000) طالب اليوم أم لا؟! .
أما طلبة الجامعات فهم كذلك في ابتلاء كبير، إن اختاروا العيش في قراهم و الدراسة في الجامعات ؛ فإنهم لن يتمكّنوا من الدوام بفعل ممارسات تلك الحواجز و عمليات التأخير و التكلفة الكبيرة للمواصلات التي تضاعفت عشرات المرات .
وأصحاب السيارات النقل والأجرة جزء من المعادلة فسياراتهم محتجزة يوميًّا ، و توقّفها لأكثر من أربع ساعات على الحاجز يوميًّا يعني من الناحية العملية حرمان أصحابها من العمل، و هو ما يجلب لهم خسائر فادحة تضاف إلى الخسائر المباشرة المتمثّلة بتكسير السيارات و تحطيم زجاجها وائتلاف إطاراتها.
الشهداء يسقطون على الطرقات
لم تكتف قوات الاحتلال بكل حواجزها لمنع المواطنين من دخول المدن؛ بل ذهب الجنود إلى إطلاق النار على أي شيء فلسطيني.. كان الجو هادئًا تمامًا عندما فكر (فادي علاونة) الطالب في جامعة النجاح أن سلوك طريق الوادي الفاصل بين قريته عزموط ومدينة نابلس سيوصله إلى جامعته، لكن الطريق كان أقصر مما اعتقد، فأوصله يوم 12 نيسان إلى حيث لقي حتفه وهو يحاول تفادي الوقوع بين أيدي الجنود الكامنين لمن هم مثله خلف الصخور.
لكن المفاجأة كانت لهم هناك.. وراء صخور الوادي، حيث كمنت لهم مجموعة من الجنود، وأخذت توقف المارة، وتحتجزهم، وتعتدي عليهم بالضرب.
فادي ومن كان معه من مواطنين فوجئوا بالجنود، فحاولوا العودة، وعندما لاحظهم الجنود يعودون بدؤوا بإطلاق النار، فاندفعوا راكضين، لتنزلق قدم فادي عن صخرة فيتدحرج فوقها، وتكون نهايته..
هكذا هي الحياة هناك؛ فلا مجال للتفكير في عيش ولا عمل ولا دراسة، فكل ذلك أصبح محرما حسب شريعة الاحتلال وإن فكرت في شيء من هذا فأنه عليك أن تفكر في الخطوة التالية والتي ربما تكون الموت!.
الرئيسية 
أحدث الصور 
موضوع: قرى فلسطينية في عالم المجهول 
السبت سبتمبر 22, 2007 10:12 am
