حماية الصغار والاستخدام الآمن للانترنت معادلة صعبة في عصر تقنية المعلومات
شرم الشيخ الحياة 7-9-1428هـ
دخول الطفل عوالم الانترنت يعرّضه لاغراءات
منذ انتشار الشبكة العنكبوتية مصرياً، راجت معها توقعات زاهية بالتغيير الكبير والايجابي في الحياة اليومية للناس. وتداولت الألسن شعارات متفائلة من نوع «الإحساس الكبير بالقوة الذي تمنحه شبكة الانترنت يصحبه شعور أكبر بالمسؤولية»، و «المجتمع الافتراضي الذي نصنعه على الانترنت هو بالفعل المجتمع الذي كنا نرغب في وجوده أصلاً»، و «الانترنت تضمن تواصلنا في شكل مستمر بعيداً من القيود الجغرافية وتحكّم السلطات والرقابة». ولكن، يبدو أن هذه الأفكار صارت من زمن ماض. والارجح أن الانطباع الذي تعطيه جلسات النقاش عن شبكة الانترنت في «المنتدى الدولي للشباب»، الذي استضافه منتجع شرم الشيخ أخيراً، يدفع للتفكير بأن الوضع الراهن يسيطر عليه الصراع بين انتشار الانترنت من جهة، والحاجة الى انتشار الاستخدام الآمن لتلك الشبكة من الجهة الأخرى.
الأمر إذاً في حاجة إلى تنظيم ومتابعة وليس إلى رقابة وسيطرة، ولكن من الذي ينظم ومَنْ الذي يتابع؟
وفي ذلك المؤتمر، حضرت الشبكة الالكترونية الدولية وعالمها الافتراضي عبر حضور طاغ لوزراء الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، إضافة إلى شركات الكومبيوتر ونظم المعلومات وتكنولوجيتها.
وبدلاً من الأحاديث المعتادة حول أهمية تكنولوجيا المعلومات، وحتمية مواكبة الشباب لعصر المعلومات، انتقل الحديث ليُعطي الأولوية لضمان الأمان في استخدام الشباب والصغار للشبكة العنكبوتية؛ مع ملاحظة أن استخدام تلك الشبكة بات أمراً محتوماً، وأن توافرها صار شأناً مفروغاً منه.
وفي إطار المؤتمر، عقدت جلسات كثيرة ودارت نقاشات عميمة حول الشبكة العنكبوتية وأمانها. وتفرع البحث الى محاور لعل أبرزها الاستخدام الآمن للشبكة مع الحفاظ على الحريات العامة والمدنية بمعنى عدم الإخلال بأي منها. ولخّص هذا الاتجاه رئيس شركة «مايكروسوفت» العالمية جان فيليب كورتوا بإشارته إلى أن الانترنت هي ابتكار وتعليم ونمو اقتصادي، لكنها تحتوي أيضاً على سرقات ومضايقات وتحرشات وجرائم مباشرة. كما أشار إلى أن المهمة الملحة راهناً تتمثّل في خلق المعادلة الصحيحة بين اتاحة الانترنت وحماية الحرية والخصوصية من جهة، وضمان أمن الجمهور الالكتروني وتجنيبه مخاطر استخدامه لتلك الشبكة من الجهة الأخرى.
لكن مع التوسع المتزايد في عالم تقنية المعلومات وسهولة الحصول عليها، يتعرض الصغار في شكل متزايد أيضاً لأخطار العالم الافتراضي. لذا، شدد المسؤول التنفيذي عن منظمة «تشايلد نت» (وهي جمعية خيرية بريطانية مهمتها العمل على جعل الانترنت مكاناً آمنا ومناسباً للأطفال) لويس دافيس على أن المعلومات باتت متحركة ومتاحة ومحمولة، وأن عدد الأطفال المتصلين بعالم المعلومات من طريق الكومبيوتر (والخليوي أيضاً) يتصاعد بإطراد.
وقال دافيس: «الوضع يتغير بسرعة شديدة في هذا العالم المثير... نحن ننتقل من مرحلة الحصول على المعلومات من الشبكة إلى زمن إقبال الجمهور على بث المعلومات وتحميلها على الانترنت... ويمثّل ذلك أيضاً انتقالاً من استهلاك المعلومات إلى صنعها، ومن الاستخدام الجماعي إلى الاستعمال الشخصي، ومن الاتصال الصامت الأحادي إلى التواصل والتفاعل الحي على الشبكة الالكترونية الدولية». ورأى أن مهمة الأهل تتمثّل في التفاعل مع القيميين على الانترنت وتقنية المعلومات بهدف إيجاد الحلول لتعزيز أمن الشبكة، إضافة إلى العمل مع الشباب والصغار لتوصيل أصواتهم إلى المجتمع الفعلي والافتراضي في آن معاً.
مشاركة الأهل عنصر أساس في وقاية الأطفال من أخطار الشبكة الالكترونية
الصغار في مهب مخاطر الويب
وأشارت مديرة «المركز الدولي للأطفال المفقودين والمستغلين» ليلى بن دبا إلى مخاطر من نوع آخر على الشبكة العنكبوتية يتعرض لها الأطفال وتشمل تعريض الصغار لمحتوى إلكتروني غير أخلاقي سواء كان مصوراً أو كلمات، إضافة إلى التحرشات والمضايقات والاستغلال الجنسي وغيرها. ورأت أن أبرز الحلول لمثل تلك العقبات يكمن في تمكين الأطفال معلوماتياً كي يكونوا على وعي بمسائل الأمن على الشبكة الإلكترونية، وكذلك تأسيس مجموعات عمل مهمتها ضمان الاستخدام الآمن للانترنت.
ولعل مجموعات العمل هذه كانت من أبرز ما أسفر عنه منتدى شرم الشيخ الذي أطلق «مبادرة السلام الإلكترونية» تحت شعار «مواطن عالمي آمن في عالم متصل وآمن». وفي هذا الصدد، رأت السيدة المصرية الأولى، التي ترأس «حركة سوزان مبارك للمرأة من أجل السلام» ان الأمن والسلام الإلكترونيين من أكثر القضايا حساسية في مجتمع عصر المعلومات. والمعلوم أن تلك الحركة ساهمت في تنظيم المؤتمر. وأضافت أنه يجرى تأسيس مجموعة عمل لضمان استخدام آمن للانترنت. وتمنت أن تحصل الفكرة على الدعاية والاهتمام اللازمين عربياً، إضافة الى تنسيق جهود المجموعات المشابهة في هذه المنطقة.
وفي هذا السياق، جُهّزت خطة عمل تحت عنوان «أسس التدخل: ما الذي نحتاجه لنكون آمنيـن على شبكة الانترنت»؟. وتهدف إلى إحــداث نوع من التـــوازن بيـــن تشجيع الإبداع والابتكـــار وتحفيز حرية الرأي من جهة، وحمايــة الحريات المدنية على الشبكة من الجهة الأخرى، إضافة إلى تشجيع القائمين على صناعة تقنية المعلومات على تفعيل نوع من «التنظيم الذاتي» لعملهم، وكذلك دعم المؤسسات التعليمية والأسر لتدريب الأطفال على الطرق المثلى لتصفح الإنترنت من دون أضرار.
وبدا دور القطاع الخاص بالغ الأهمية في هذا المجال أيضاً. فالحق أن الحكومات لا تستطيع وحدها خلق بيئة إلكترونية آمنة؛ كما عبر كثيرون عن مخاوفهم من «اليد الطويلة للحكومات عموماً والتي إن طاولت الإنترنت لن تضع حدوداً فاصلة بين الاستخدام الآمن والرقابة الأمنية». وهكذا برزت خطة العمل للتنسيق بين القطاعين الحكومي والخاص في مجال أمن الانترنت.
واللافت أن المؤتمر وضع مسألة أمن الانترنت وحريتها في إطار السلام، باعتباره الفكرة الأساسية لهذا اللقاء في شرم الشيخ. وبداية، لا يصعب تصور أهمية السلام بالنسبة الى شركاء المنتدى وهم: «الاتحاد الدولي للاتصالات» و «منظمة التحالف العالمي لتكنولوجيا المعلومات والاتصالات والتنمية» (تابعة للأمم المتحدة) وشركتا «مايكروسوفت» و «سيسكو سيستمز» العالميتان. ويرتبط هؤلاء بنوع من الشراكة الإلكترونية هدفها المعلن هو خلق شراكة اجتماعية على المستوى العام تتخطى حدود العلاقات بين الحكومات والقطاع الخاص، وترتبط في شكل أكبر بالمجتمع المدني. وتُركز هذه الشراكة على دور الشباب في تحقيق السلام، خصوصاً أنها تُركّز على نشر قيم التسامح والحرية والعدل.
شر إلكتروني يمكن تجنبه
وفي إطار المؤتمر عينه، صرحت بن دبا، لـ «الحياة» بأن الأطفال باتوا يُفقدون راهناً لأسباب كثيرة، فمنهم من يختفي أو يُنقل الى أماكن بعيدة من مسكنه بسبب الحروب، ومنهم من يختفي بسبب الاتجار، وأطفال الشوارع غير معروفي الإقامة، إضافة إلى اختفاء الأطفال نتيجة اختطافهم على يد أحد الأبوين والهرب بهم نتيجة انفصال الوالدين وخلافاتهما. وفي سياق الأسباب عينها، يمكن ذكر الأطفال الذين يستغلّون على الشبكة الإلكترونية من خلال جذبهم للإتيان بأفعال ذات طابع جنسي، وكذلك استعمالهم لإنتاج مواد إباحية وعرضها على الشبكة، وأحياناً إغرائهم لمقابلة المستغلين جنسياً ومن ثم تعرضهم للخطف ومن ثم يصبحون في عداد المفقودين. كما أوضحت بن دبا أن المركز الذي ترأسه ينشط في إطار العمل على تعزيز الأمان على الشبكة الإلكترونية بالنسبة الى المستخدمين الصغار السن.
وأشارت أيضاً إلى أن مسائل الاستغلال الجنسي للأطفال عبر الانترنت ليست مشكلة في الغرب وحده كما يظن بعضهم، ولكنها موجودة في كل مكان فيه اتصال مع الشبكة الالكترونية العنكبوتية: «لا يعرف الأهل في معظم الأحوال، سواء في الغرب أو في الدول العربية، ما الذي يفعله الأطفال أثناء تصفحهم شبكة الانترنت، كما يجهلون ماهية المواقع التي يزورونها». ونبّهت إلى أن بعض المستغلين هم من... الأطفال أنفسهم! إذ يصورون بعضهم بعضاً مثلاً من دون ملابس داخلية، ثم يُحمّلون الصور على الشبكة الإلكترونية. وحذّرت كذلك من ظاهرة المضايقات والاستفزازات والتعديات على الانترنت. كما نبهّت الى مسألة مثيرة وهي أن الاستغلال الجنسي للأطفال ليس فيه حد أدنى للأعمار، إذ ان هناك أطفالاً لم تتعد أعمارهم أشهراً عدة ووُجِد من يستغلهم جنسياً. كما بيّنت أن 19 في المئة من حالات الاستغلال يكون ضحاياها أطفال بين سن الولادة والعامين، و38 في المئة أعمارهم تتراوح بين عامين وستة أعوام، والنسبة الباقية بين سن السادسة والثانية عشرة.
ورأت أيضاً أن الانترنت قد تحمل أخطاراً من نوع آخر مثل استهداف المراهقين الذين يفتقدون الثقة في النفس، أو أولئك الذين لا يملكون علاقات جيدة مع الأهل. إذ يتلقف هؤلاء بعض الاختصاصيين في اصطياد الضعفاء، ويبدأون في التحاور معهم بصفتهم القلوب الحنونة التي تحبهم وتتفهم طريقة تفكيرهم وتتعمق العلاقة؛ وقد تصل الأمور إلى حد المقابلة الشخصية وقد تنتهي بجرائم بشعة.
وأكّدت أن القول إن العيش في بيئة عربية إسلامية محافظة يحمي من مغبة هذه الشرور، وإن مثل هذه الجرائم البشعة لا تحدث في مجتمعاتنا، يجانبه الصواب. كما لاحظت أن ظاهرة الاعتداء والتحرش الجنسي بالأطفال لا علاقة لها بنوعية التربية الاجتماعية أو التنشئة الدينية، لكنها تحدث في أي وقت وفي أي مجتمع، وهو ما يعني أن أحداً ليس بعيداً منها. وكذلك نبّهت إلى أن المعتدين لا يشفون من اعوجاجهم النفسي هذا طوال حياتهم، مهما خضعوا لعلاجات نفسية: «على الأهل والقائمين على تربية الصغار، التحدث معهم وتوعيتهم والتأكد من نوعية المواقع والمعلومات التي يبحثون عنها الصغار، وكذلك تلك التي تظهر لهم، ولو من دون قصد على شاشة الكومبيوتر».
وواقع الحال يقول إن سبل ابتكار الاستغلال والإساءة الجنسيين متعددة على شبكة الانترنت: «أحياناً تكون فتاة على علاقة بشخص ما، ويحصل منها هذا الشخص على صور شخصية لها، ثم تحدث مشاكل بينهما لأي سبب، فتفاجأ بصورها منشورة على الساحة الالكترونية بعد تركيبها في شكل إباحي، وفي البلدان العربية يكون مثل هذا الفعل سبة في سمعة الفتاة الى الأبد».
وشدّدت بن دبا أخيراً على ضرورة وضع الكومبيوتر في مكان «عام» في البيت، بمعنى ألا يوضع في غرفة نوم الأولاد، بل في غرفة الجلوس أو غيرها من الأمكنة التي يمر بها أهل البيت في كل الأوقات «لأن محاولة منع الأطفال والشباب من الاتصال بالشبكة الإلكترونية هي ببساطة محاولة فاشلة».
___________
جريدة الحياة