كشفت
صحيفة "هآرتس" العبرية عن أسرار جديدة في محاولة الاغتيال الفاشلة التي
تعرض لها خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية حماس
عام 1997 في العاصمة الأردنية عمان.
ففي
25 سبتمبر- أيلول 1997 تلقى جهاز الموساد الإسرائيلي للإستخبارات
والعمليات أحد أكبر الضربات منذ إنشائه نتيجة الفشل في التعرض لحياة مشعل.
ونشرت
الصحيفة العبرية تفاصيل العملية التي نفذها عنصرين من جهاز الاستخبارات
"وحدة كيدون" وتدرباً على رش مادة سامة بخفة وسرعة فائقة على رقبة مشعل.
عشر سنوات مضت, وقتها كان رئيس الموساد عضو الكنيست داني ياتوم الذي أنهى في هذه الأيام كتاباً له أفرد منه باباً لهذه القضية.
ولم
يظهر ياتوم الندم على العملية بقوله:" لقد كان ضرورياً فعل ذلك"، وأضاف
"الصورة بعد العملية لم تتغير، شبكة العلاقات مع الأردن عادت على ما كانت
عليه، حسب اعتقادي أن نتيجة لذلك فإن الملك عبد الله طرد قيادات حماس من
الأردن بعد توليه الحكم وذلك خوفاً من أن نعود للعمل على الأرض الأردنية"، وادعى ياتوم أنه بعد موت الملك حضر إليه رسول من الملك يخبره أن الملك قد عفى عنه.
وعلى
ما يبدو أن رئيس الموساد السابق هو واحد من القليلين الذين يعتقدون بصحة
اتخاذ القرار بالعملية، فمعظم الأشخاص في الساحة السياسية وقتها قالوا
بخطأ العملية وإنها مبنية على رؤية إستراتيجية قصيرة المدى. وقد صرح أحد
الوزراء المسؤولين عن الأمن وقتها "هذه عملية هددت السلام مع الأردن".
خطة التنفيذ
العنصرين
من جهاز الاستخبارات "وحدة كيدون" جاهزين للوصول إلى الضيحة، واحد يمسك
صفيحة شراب خفيفة ويقوم بفتحها لإثارة الانتباه تجاهه والثاني يرش المادة
السامة على رقبة مشعل.
بصورة
دائمة في الموساد الجنود ينفذون عدة تدريبات بعملية رش مواد غير سامة على
أشخاص عابري سبيل وأشخاص جالسين في شوارع "تل أبيب" والتدريبات تم تصويرها
على الفيديو وتم دراستها.
وادعى
ياتوم في مقابل الإشاعات التي نشرت ضده أنه عاين ميدان التدريبات وأنه وجه
شخصياً الجنديين قبل تنفيذ المهمة هكذا -أو هكذا- يبدو أن الثقة التي
رافقت التصفية لم تحبط مما أدى إلى أن مخططي العملية قللوا في التدريب من
إمكانية أن الخلية تصبح في وضع صعب.
لم
يعط أحد رأيه لأنها المرة الأولى التي يقوم بها مقاتلوا "كيدون" بعملية في
دولة عربية، فمن المعروف أن من يقوم بمثل هذه العمليات هو الجيش بواسطة
وحدات خاصة.
لفتة
انتباه أخرى وهي التغطية التي حصل عليها المقاتلون فقد تم تجهيزهم بجوازي
سفر كندي لكن لغاتهم كانت العبرية والإنجليزية مكسرة بلهجة يهودية.
مرتين
أعطى إشارة للتنفيذ، المقاتلون تجهزوا في الميدان لكن تم التأخير بسبب
مشاكل عملية وفي 25 سبتمبر بعد الساعة العاشرة صباحاً وبعد أن تخفوا بصورة
سياح اقترب المقاتلان من خالد مشعل الذي كان في طريقه إلى مكتبه وكان
يرافقه مساعده.
تنفيذ العملية
أحد
الجنديين فتح صحيفة الشراب والثاني رش المادة السامة على رقبة
مشعل..استغرقت العملية ثانيتين، شعر مشعل بشعور غريب كأنه لدغ من حشرة لكن
مساعده أشتبه بشيء ما فضرب أحد المقاتلين بالصحيفة التي بيده.
رجلا الموساد تفرقا عن بعضهما كما هو مخطط واتجهوا إلى سيارة استأجرت لهما، لكن مساعد مشعل تمكن من اللحاق بالسيارة و كتابة رقمها.
في
السيارة كان يجلس قائد وحدة "كيدون" وحسب الخطة كان من المفروض أن تهرب
السيارة لنقطة لقاء مع سيارة أخرى كانت بانتظارها للهرب (حتى اليوم بالرغم
من كل التحقيقات لم يظهر سبب أن السيارة الأولى أخطأت طريقها ورجعت إلى
نقطة البداية) ربما هذا لخطأ في التخطيط أو ربما أن المقاتلين تأثروا
كثيراً بما حدث وفقدوا توازنهم.
لا
يوجد شخص مثير للدهشة أكثر من مساعد مشعل الذي تأكد من السيارة مرة أخرى،
والتي كانت تقف بعيداً عنه والمقاتلين خرجا منها للهروب مشياً للوصول إلى
السيارة الأخرى في نقطة اللقاء المتفق عليها.
مساعد
مشعل ومساعد آخر انضم إليه أخذوا بالجري خلف الاثنين وهم يصرخان وآخرين من
الواقفين انضموا إلى المطاردة، حيث تم اعتقال الجنديين و أخبروا الشرطي
أنهم سياح من كندا.
جلبوا
إلى هذا المكان ودخلوا التحقيق عند المخابرات الأردنية التي استعملت معهم
العنف واعترفوا بأنهم إسرائيليين، وفي أثناء ذلك تدهورت صحة مشعل ونقل إلى
المستشفى و الأطباء وجدوا صعوبة في تشخيص حالته.
عدد
آخر من المقاتلين الإسرائيليين المشاركين في العملية تمكنوا من الهرب إلى
خارج الأردن وآخرين توجهوا إلى السفارة الإسرائيلية في عمان لطلب اللجوء..
الملك الأردني أستهاج غضباً، وهدد بقطع العلاقات مع (إسرائيل) و إرسال
وحدات خاصة لاقتحام السفارة الإسرائيلية.
رئيس
الوزراء الأردني استدعى سفير (إسرائيل) لدى الإتحاد الأوروبي أفرايم
هاليفي الذي كان مساعد لرئيس الموساد "شبتاي شابيت" الذي كان له علاقة
خاصة مع الملك حسين.
هاليفي
ذهب إلى عمان وعرض على الملك صفقة بأن يقف أطباء الموساد إلى جانب الأطباء
الأردنيين لإعطائهم المصل المضاد لإزالة أثر السم، وبالفعل تلقى خالد مشعل
العلاج ونجا من موت محقق وكان من نتائج الصفقة الإفراج عن الشيخ أحمد
ياسين.
اختيار الهدف
وتشير
صحيفة "هآرتس" في تقريرها إلى أن قراراً بتنفيذ عملية اغتيال ضد قادة من
حماس بدأ في 30 يوليو 1997، حينها حماس كانت قد نفذت عملية في منحنى يهودا
والتي قتل فيها 16 إسرائيلياً وأصيب 196 شخصاً، حيث طلب رئيس الوزراء
حينها "بنيامين نتنياهو" رداً سريعاً بقدر الإمكان ولذلك استدعى ياتوم إلى
مكتبه وطلب منه تقديم قائمة من قادة حماس مهمين يمكن اغتيالهم، وقد وصف
الموقف بينه وبين رئيس الوزراء بقوله "بيبي يضغط و أنا مضغوط".
بدوره
دعا ياتوم إلى اجتماع طارئ بمشاركة رئيس قسم العمليات والمكلف بمنصب رئيس
الموساد "عليزا مآجين" و المعروف باسم "كيساريا" ورئيس جهاز العمليات
الخاصة رئيس قسم الاتصال مع المنظمات الأجنبية "ثيال" يتسحاق برزيل، ورئيس
قسم التجسس إيلان مزراحي رئيس قسم التحقيق وآخرين.
ياتوم
طلب من الجميع فوراً قائمة أهداف للتصفية وتبين من النقاش أن الموساد ليس
لديه قائمة جاهزة من قيادة حماس وخاصة كبار الناشطين، أما الذين يقومون
بالعمليات والموجودين في الميدان فإن المكلف بالتعامل معهم هو الشباك.
وقد
تحدث أحد الحاضرين في هذا النقاش "اعتقدنا أنه بعد هذا النقاش سيخرج ياتوم
إلى رئيس الوزراء ويقول أن ليس لديه أهداف لمهاجمتها ولكن ياتوم رفض
القائمة التي قدمت إليه والتي تشمل نشطاء صغار من حماس موجودين في أوروبا
لكن رئيس الموساد لم يتراجع وطلب قائمة جديدة تشمل نشطاء في الأردن أيضاً
فيهم موسى أبو مرزوق وخالد مشعل".
وفي
مجازفته لتنفيذ عملية الاعتداء وجد ياتوم شخصين حليفين له بشكل خاص وهما
رئيس قسم العمليات " كيساريا" وضابط الاستخبارات في القسم " مشكاين دود "
حيث كان رئيس كيساريا متشوقا ًللقيام بالعملية لأن عمليات من هذا النوع
تميط اللثام عن هذا القسم خاصة وحدته المختارة المعروفة باسم "كيدون".
تحول
قسم "كيساريا" للقوة الدافعة لعملية التصفية بشكل حصري، أما الأقسام
الأخرى التي لها اتصال ودور والتي تفهمت حلبة الصراع وعرفوا الثمن الذي
سيدفعه الموساد ودولة (إسرائيل) على هذه العملية تجنبوا الإثارة بالرغم من أن الاستعداد للعملية لا يزال في المراحل الأولى لاختيار الهدف والتخطيط.
وبعد جولة ميدانية وتلقي معلومات استخبارية تقلصت القائمة إلى ثلاثة أشخاص منهم أبو مرزوق وخالد مشعل.
وفي
4 سبتمبر وقعت عملية فلسطينية جديدة في مقهى في شارع بن يهودا في القدس
قتل فيها خمسة أشخاص وأصيب فيها 181 شخصاً، هذا الحادث عزز الرغبة في عمل
إسرائيلي انتقامي سريع وفي هذه الفترة تقرر شطب أبو مرزوق من القائمة
والاكتفاء بمشعل والسبب الرئيس في ذلك أن الموساد لديه قدر كاف من
المعلومات وكذلك فهو الأقرب لتحقيق الهدف.
رئيس
قسم كيساريا وضابط الاستخبارات بن داود أعطوا لداني ياتوم إشارة أن الأمر
تحت السيطرة، وأن لديهم فرصة نجاح عالية، وقد تحدث أحد الضباط حول الأمر
بقوله: " لم يوجد أي شخص حول ياتوم يناقشه وأن يسأل ويلفت الانتباه
للمصاعب التي ربما تظهر".
"عملية صامتة"
نائب رئيس الموساد ماجين" كانت ترغب في التشكيك في العملية لكنها لم تفعل ذلك لأن العلاقات بينها وبين رئيس الموساد فاترة.
تحدثت
ماجين بأن ياتوم الذي عين على يد شمعون بيرس غير ملائم لهذا المنصب وفي
جوابها عن سؤال عن العملية لم تظهر أي تحفظاً من طريقة العملية.
وأضافت:"
اشتركت في جزء من النقاش.. الخلل الكبير من وجهة نظري لم يكون أن الأمر قد
حدث هناك في الأردن، إنما أعتمدوا على قادة ميدانيين في مستويات قيادية
منخفضة نسبياً، لم يحدث قط في حياة الجهاز أن أي عمل لا يتم تنفيذه بدون
أن يذهب رئيس الموساد أو رئيس القسم لعمل جولة ميدانية مسبقاً".
أحد
الأسس المركزية للأمن الشخصي الخاص لعناصر "كيساريا" هي الثقة بفعالية
الوسائل المستخدمة لتنفيذ العملية، وقد أفردت وحدة خاصة سميت -رعل-
"لاستخدام السموم" .
وحسب
المعلومات المنشورة في وسائل الإعلام الأجنبية فان هذه ليست المرة الأولى
للإستخبارات الإسرائيلية حيث حاولت الاعتداء بواسطة "رعل" في عام 1979
رزمة مسممة لوديع حداد قائد في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين.
وبسبب
حساسية منطقة الأردن تقرر التنفيذ لعملية تعرف عند المخابرات "عمليه
صامتة" بدون أن تكون هناك أصابع اتهام، "السم " كان جاهزاً لتسبب الموت
بعد ساعات بدون معرفة السبب، والنتيجة كانت المحاولة فاشلة ونكسة للموساد
(الإسرائيلي)