لا
شك أن الذي يشتغلون بإحصاء وعد صواريخ وقذائف المقاومة التي تطلق على
مواقع العدو ومغتصباته، لا شك أن الأرقام لديهم وصلت إلى الآلاف.
ولا
شك أيضا أن مستوى تصنيع وإطلاق هذه القذائف الصاروخية قد قفز إلى مستويات
نوعية قياسا بالمستوى الذي كانت عليه عندما سجلت كتائب القسام قدم السبق
بإطلاقها أول قذيفة صاروخية من صناعة يدوية على مغتصبات العدو في قطاع غزة
بداية انتفاضة الأقصى.
إلا
أن موضع الشك يكمن في حجم الخسائر والإصابات المادية – وليست المعنوية ذات
الدلالة الشعورية- التي أوقعتها قذائف المقاومة الصاروخية في صفوف العدو
ومقدراته قياسا بالمجهود العسكري الذي تبذله المقاومة في سبيل تصنيع
وإطلاق هذه القذائف الصاروخية.
وكصحفي
متتبع لمجريات الأحداث في الساحة الفلسطينية فإنني اعتبرت في حينه أن حجم
الإصابات التي أوقعها انفجار صاروخ المقاومة وسط مئات الجنود النائمين في
قاعدة زكيم العسكرية انجازا كبيرا للمقاومة.
ليس لأن مدى الصاروخ يصل لأول مرة إلى هذه القاعدة العسكرية لأنه بات لدى المقاومة صواريخ قد تصل إلى ما بعد عسقلان.
وليس
لأن المقاومة توصلت إلى حشو القذيفة الصاروخية بنوع جديد فتاك من
المتفجرات، لأنه سبق لقذيفة صاروخية لكتائب القسام وأصابت سيارة احد
المغتصبين في سديروت وأودت بحياته.
ولكن
ربما لأن المقاومة وصلت إلى درجة من دقة التصويب لتسقط قذيفتها الصاروخية
في وسط موقع مهاجع الجنود في القاعدة العسكرية التي لا شك أن عشرات
الصواريخ قد أصابتها قبل ذلك لكنها لم تحدث إصابات، وربما أحدثت ولكن
العدو استطاع إخفائها كعادته.
ولكن السؤال الذي نريد الإجابة عليه هنا هو:
كيف أصاب هذا الصاروخ بالذات هذه القاعدة العسكرية؟ وكيف استطاع إيقاع كل هذه الإصابات في هذا العدد غير المسبوق من جنود الاحتلال.؟
وأنا
هنا لست بصدد الحديث أو الكشف عن أسرار تقنية للمقاومة لم تكن معروفة، كما
أنني لست بصدد الكشف عن أي أسرار لوجيستية قد لا ترغب المقاومة في الكشف
عنها مجانا لصالح العدو، لكنني بصدد الحديث عن آية في كتاب الله تقول:
{فَلَمْ
تَقْتُلُوهُمْ وَلَـكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ
وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى وَلِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاء
حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ }الأنفال17
أحد
التفاسير يقول في تفسير هذه الآية : (فلم تقتلوهم) ببدر بقوتكم (ولكن الله
قتلهم) بنصره إياكم (وما رميت) يا محمد أعين القوم (إذ رميت) بالحصى لأن
كفَّا من الحصى لا يملأ عيون الجيش الكثير برمية بشر (ولكن الله رمى)
بإيصال ذلك إليهم فعل ذلك ليقهر الكافرين (وليبلي المؤمنين منه بلاءً)
عطاءً (حسناً) هو الغنيمة (إن الله سميع) لأقوالهم (عليم) بأحوالهم
فيما
يقول تفسير آخر :لم تقتلوا -أيها المؤمنون- المشركين يوم "بدر", ولكن الله
قتلهم, حيث أعانكم على ذلك, وما رميت حين رميت -أيها النبي- ولكن الله
رمى, حيث أوصل الرمية التي رميتها إلى وجوه المشركين; وليختبر المؤمنين
بالله ورسوله ويوصلهم بالجهاد إلى أعلى الدرجات, ويعرِّفهم نعمته عليهم,
فيشكروا له سبحانه على ذلك. إن الله سميع لدعائكم وأقوالكم ما أسررتم به
وما أعلنتم, عليم بما فيه صلاح عباده.
لو
تأملنا التفسيرين السابقين لوجدنا تأكيدهما على شئ هام جدا ألا وهو" إن
الله سميع لدعائكم وأقوالكم وما أسررتم به وما أعلنتم, عليم بما فيه صلاح
عباده".
هنا وهنا بالذات يكمن سر نجاح هذه القذيفة الصاروخية في إصابة هدفها بإرادة الله وقدرته وذلك للأسباب التالية:
-
أن الخلية التي جهزت القذيفة الصاروخية وأطلقها باتجاه زكيم، لم تكن من
حركة الجهاد الإسلامي، كما أنها لم تكن من لجان المقاومة الشعبية كما
أعلنتا، وهذا ليس ادعاءا ولا اتهاما لكنها الحقيقة التي حصلت عليها
بالصدفة خلال حديث عرضي حول الموضوع .
-
وعليه يثور تساؤل مشروع، إذا لم تكن حركة الجهاد ولا لجان المقاومة تقفان
خلف إطلاق الصاروخ فمن يكون؟ هل هي كتائب القسام أو شهداء الأقصى أو جناح
عسكري آخر؟ والإجابة قطعا بالنفي، وهنا تكمن المفاجأة وهي أنه ليس لأي من
الأجنحة العسكرية للمقاومة كتنظيمات مسلحة وكأجنحة عسكرية ذات عمل هرمي
منظم علاقة مباشرة في تجهيز القذيفة الصاروخية وإطلاقها.
- إذا فمن الذي يقف خلف تجهيز الصاروخ وإطلاقه هل هم الجن؟ والإجابة على هذا التساؤل تقول التالي:
أن
نشطاء من حركة الجهاد الإسلامي تمكنوا – ودون علم قادتهم - من الحصول على
هيكلين فارغين لقذيفتين صاروخيتين من سرايا القدس، وأنهم أعطوها بشكل غير
رسمي لأصدقاء لهم من كتائب القسام وهم بدورهم لم يخبروا قادتهم بذلك خشية
منعهم من خطوتهم التالية نظرا لأن كتائب القسام ملتزمة بقرار غير معلن
بوقف إطلاق القذائف الصاروخية مكتفية بإطلاق قذائف الهاون.
وأن
هؤلاء عملوا بصدق وإخلاص وبجهد شخصي بحت لا غرض ولا هدف ولا عرض دنيوي من
ورائه سوى الرغبة الصادقة في مقاومة الاحتلال والنيل منه ارضاءا لله ومحبة
للوطن، عملوا وعلى مدار نحو أسبوعين كاملين على استغلال علاقاتهم الشخصية
بعناصر المقاومة من كتائب القسام ومن لجان المقاومة للحصول على المادة
الدافعة التي أوصلت الصاروخ إلى زكيم، وعلى المادة المتفجرة التي حشو بها
القذيفة الصاروخية التي أصابت نحو 70 من جنود الاحتلال في القاعدة.
وأن
هؤلاء المقاومين المجهولين، والذي رغبوا وما زالوا في أن يبقوا مجهولين كي
يحتسبوا اجر عملهم عند الله وليس عند احد من خلقه، تمكنوا من الحصول على
قاعدة لإطلاق هذا الصاروخ ربما من كتائب القسام، وأنهم توجهوا إلى مواقع
إطلاق هذه القذائف الصاروخية شمال القطاع بجهد شخصي متخذين من الليل ستارا
ومن عتمة آخر الليل قناعا، مستنزلين بركة وقت السحر، متحملين مخاطرة كبيرة
كان اقلها سيحولهم إلى شهداء كانوا سيتهمون في النهاية أنهم كانوا يقومون
بعمل ارتجالي.
وأنهم
صوبوا الصاروخ إلى قاعدة زكيم العسكرية دون استخدام التقنيات الحديثة التي
باتت أجنحة المقاومة تستخدمها في تصويب مثل هذه القذائف الصاروخية، مكتفين
باستخدام النظر مرتلين عددا من الآيات على رأسها" وَمَا رَمَيْتَ إِذْ
رَمَيْتَ وَلَـكِنَّ اللّهَ رَمَى".
وكان ما أردوا، مصداقا لقوله تعالى في الحديث القدسي" إذا أراد عبدي ما أريد، أردت ما يريد، وألنت له الحديد".
واسقط
الله تعالى السميع لدعائهم وأقوالهم وما أسروا به وما أعلنوا, العليم بما
فيه صلاح عباده، اسقط القذيفة وسط مهاجع جنود الاحتلال الذين طالما
اجتاحوا وقصفوا وقتلوا وهدموا وجرفوا واقتلعوا، فجرح وأصاب منهم نحو 70
قاتلا نازيا.
وعاد
هؤلاء المجاهدين حامدين الله وشاكرينه على توفيقهم ثم على سترهم حتى الآن
على الأقل عن عيون عملاء الاحتلال، ثم عن عيون قادتهم الذين لو علموا لا
ندري هل سيكافئونهم أو سيعاقبونهم.!!.
وأصبح
شعبنا ليسمع الخبر السعيد لتعلن حركة الجهاد الإسلامي ولجان المقاومة
الشعبية مسؤوليتهما عن العملية فيما احتلت حماس مواقع المهنئين المباركين
للعملية، بينما آثرت سلطة رام الله إلا أن تشارك القبور صمتها.
ولما سبق دلالات ودلالات عميقة لن اذكرها، و اترك لفصائل المقاومة التعرف عليها ومعالجتها