الصحابي جليبيب
جليبيب هو الصحابي الجليل المحب لله ورسوله، والذي أحبه رسول الله صلى الله عليه وسلم، هو ذلك الصحابي قصير القامة، فقير الحال، بائس معدم، إلا إن المعايير الاجتماعية في المجتمع الإسلامي، وطريقة التعامل المفترضة أن تكون في كل زمان ومكان، هو أن يكون المرء مؤمناً يخاف الله ويتقيه، ويكون مظهره متسقاً مع جوهره، متوافقاً مع منهج النبي وصحبه الكرام، تلك هي المقاييس التي يعرف بها الرجال الصادقون.
كان جليبيب عظيم الإيمان، راسخ العقيدة، مطمئن النفس، سليم الطوية، كانت تلك المعايير هي التي أحبها فيه المصطفى محمد صلى الله عليه وسلم، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو الرحمة المهداة، والقبس الإيماني الذي تستضيء به الأمة، والقائد العظيم الذي ساس وقاد الأمة إلى الخير والفلاح، كان عليه الصلاة والسلام وهو القائد العظيم، يجالس ويحادث الفقير المعدم جليبيب، كانت تلك صورة من صور التآلف الاجتماعي ، فكانت بمثابة صفة من صفات الدولة الإسلامية العظيمة التي قامت في يثرب، تلك الصفات التي أزاحت الفوارق والعصبيات والعنصرية من قلوب أفراد تلك الدولة الناشئة.
لقد شعر أفراد تلك الجماعة الأولى بالثقة بنصر الله، وحبه، وتمكينه، كانت تلك الجماعة تشعر بعظمة الإسلام، وعظمة الطاعة لله ورسوله، وكانت تستشعر مدى نقمة الله للعصاة المعرضين عن منهج الله، كان الناس يحبون التآلف والأخوة الدينية التي كانت تجمع قلوبهم وتتلألأ في تبسمهم لبعضهم البعض ومجالستهم لبعضهم البعض.
كان المصطفى صلى الله عليه وسلم برحمته وشفقته على تلك الثلة المؤمنة، يتلمس حاجاتهم، ورغباتهم، وفي ذات مرة أشار النبي على جليبيب أن يتزوج، فأجاب عليه جواب اليائس من نظرات الناس الدونية لرجل فقير مثله، ومن سيصاهر رجل مثل جليبيب، تلك المعالم ارتسمت في مخيلته رضي الله عنه، وأغلقت الأبواب في وجهة، وليس يئساً فيما عند الله، أما الناس فقد آيس منهم، فقال للنبي يا رسول الله إن مثلي كاسد، فقال النبي العظيم: إنك عند الله لست بكاسد. نعم إن الله يعرف أن مثل ذلك الرجل ليس ميزانه عنده سبحانه وتعالى بقصر قامته، ولا بفقره بل بإيمانه وتقواه، حيث قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله لا ينظر إلى صوركم ولا إلى أجسامكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم).
وفي مرة من المرات تمنى جليبيب أن يتزوج فتاة، واستشار رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسله النبي صلى الله عليه وسلم إليهم، وقال قل لهم أرسلني النبي لأخطب ابنتكم، فتردد الوالدان ولكن البنت كانت إنسانه عاقلة تخاف الله وتتقيه، فقالت وهل تردون من أرسله رسول الله ووثق فيه، أليس هو من يقول إذا أتاكم من ترضون دينه وأمانته فزوجوه) يا أبي رضيت بجليبيب، ووالله لن أرد رجل ارتضاه رسول الله لي، فلما سمع رسول الله مقولتها قال (اللهم اصبب عليها الخير صبا، ولا تجعل عيشها كداً).وتزوجها جليبيب.
تلك هي سيرته الاجتماعية، ولكن إذا أتينا إلى جوانب حياته الإيمانية، وثقته بربه، فما أعطرها من سيرة، وما أعظمه من بذل، وما أروعها من تضحية، فقد ذكر المؤرخون أنه لما انقشع غبار معركة من معارك الحق والباطل، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يبحث عنه، لأنه افتقده، فوجده مضرج في دمه بعد أن قتل سبعة من المشركين حوله، فقال (هذا مني وأنا منه، قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه، قتل سبعة ثم قتلوه، هذا مني وأنا منه قتل سبعة ثم قتلوه) أما زوجة جليبيب التي رضت بما ارتضاه نبي الله فقد عاشت في غنى ورغد من العيش ببركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم ورضي الله عن أصحابه أجمعين.