مع اقتراب الذكرى الثالثة لوفاة ياسر عرفات في تشرين الثاني عام 2004، لا تزال سيرته، وما تحتويه من غموض، تشغل الباحثين الفلسطينيين، وقد كَشف جزء منها فيلم وثائقي ركز على فترة دخول الزعيم الفلسطيني الراحل إلى الأراضي الفلسطينية بعد نكسة حزيران 1967
احتشد عشرات المسؤولين والمثقفين الفلسطينيين، أول من أمس، في قاعة سينما القصبة في رام الله لمشاهدة الفيلم الوثائقي الجديد «العاصفة مرّت من هنا»، الذي يروي قصة دخول الرئيس الراحل ياسر عرفات سراً للمرة الأولى إلى الضفة الغربية عام 1967 لتشكيل نواة المقاومة المسلحة ضد إسرائيل.
واستند مخرج الفيلم الشاب الفلسطيني طارق يخلف، في تجميع مادته، إلى رفاق عرفات الذين شاركوه في عملية الدخول السرية إلى الأراضي الفلسطينية، والذين تمت محاكمتهم أمام المحاكم الإسرائيلية على العمليات العسكرية التي نفذوها في أواخر
الستينات.
وظهر الرئيس الفلسطيني الحالي محمود عباس في الفيلم وهو يروي الحالة السياسية في عام 1967 بعدما احتلت إسرائيل القدس الشرقية والضفة الغربية وغزة، الأمر الذي دفع عرفات للدخول إلى الأراضي الفلسطينية لتفعيل العمل المسلح من الداخل.
ويروي الفيلم شهادات عن عرفات حينما دخل مع مجموعة من الفدائيين في جيب عسكري صغير صيف 1967، عن طريق الحدود الأردنية، حيث وصل إلى قرية تياسير، ومن ثم إلى بلدة طوباس شمال الضفة الغربية قبل أن يصل إلى بلدة قباطية حيث مكث.
وحسبما يروي الفيلم، فإن بلدة قباطية كانت المحطة الأولى التي شكل فيها عرفات قاعدة عسكرية لحركة «فتح»، ضمت 200 عنصر مسلحين بأسلحة خفيفة.
ومن الشهود الذين عرضهم الفيلم، عبد الحميد القدسي وعبد العزيز شاهين، الذي عمل وزيراً سابقاً، وكانا مع عرفات في الجيب العسكري عند الدخول إلى الأراضي الفلسطينية. وبعد أيام من الوصول إلى قباطية، بايع أهالي البلدة عرفات على السير معه في العمل ضد الاحتلال الإسرائيلي. ومن ثم، انتقل عرفات، الذي انتحل حينها اسم «أبو محمد»، إلى مدينة نابلس.
وبحسب الفيلم، فإن عرفات، وخلال تمركزه في مدينة نابلس، قام بتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى مناطق عسكرية ووزع رفاقه الذين دخلوا معه لقيادة هذه المناطق، وبشكل سري.
ويروي رفاق عرفات في الفيلم أنه قام بنفسه ومعه شخص ثان بتفجير مخزن أسلحة، ظل يحترق لمدة أسبوع كامل. ويسرد الفيلم كيف أن عرفات كان يتنقل بين المدن الفلسطينية بشكل سري، حاملاً معه العديد من الوثائق والهويات المختلفة، إلى أن وصل مدينة رام الله بهدف تشكيل خلايا مسلحة في مدينة القدس.
ويروي الفيلم شهادة فاطمة البرناوي، التي كانت أحد أفراد خلية حاولت تفجير سينما إسرائيلية في مدينة القدس، لكن القنبلة اكتشفت وقد تم تفجيرها بالتحكم. واعتقلت إسرائيل البرناوي وأعضاء خليتها.
وبحسب شهادات الذين كانوا يشاركون عرفات في عمله العسكري في الأراضي الفلسطينية، فإن الأسلحة التي كانت تأتي للخلايا المسلحة كانت تمر عن طريق الأردن والجولان السوري المحتل.
ويعرض الفيلم مقتطفات من الصحف الإسرائيلية التي تحدثت حينها عن خطورة العمليات العسكرية، والتي كانت الخلايا التي شكلها عرفات تنفذها ضد أهداف إسرائيلية بالتعاون مع تنظيمات قومية كانت أصلاً موجودة أواخر الستينات.
ويقول عبد الحميد القدسي، الذي اعتقله الجيش الإسرائيلي في تلك الفترة، إن إسرائيل بدأت تلاحق عرفات وتبحث عنه في أواخر الستينات، لدرجة أن المحققين سألوا القدسي عن رسم لعرفات، تم تجميعه من خلال شهود عيان، عن هوية هذا الشخص.
وبعد شعور عرفات بشراسة الملاحقة له، قرر مغادرة الأراضي الفلسطينية، حيث صعد في شاحنة لنقل الأحجار من بيت فجار واختبأ بين الحجارة، وتمكّن من الوصول إلى منطقة الكرامة في الأردن ليبدأ بتجنيد خلايا مسلحة جديد.
و«العاصفة» هو الاسم الذي أطلق على الجناح العسكري لحركة «فتح» عقب انطلاقتها في عام 1965.